2/01/2013

المنهج التربوي للمحظرة الموريتانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد:
فإني سأتناول في هذه العجالة موضوع "المنهج التربوي للمحظرة الموريتانية.. فضائله ونواقصه" وها أنا أستعين بالله وأشرع في الكتابة رغم كل المعوقات، آملا أن تنجح محاولتي هذه في إثارة الموضوع، والإلمام ببعض جوانبه، وإن لم تحط به كله. فما لا يدرك كله لا يترك جله.
المبحث الأول: مدخل عام
المطلب الأول: المنهج التربوي
تعريف المنهج:
المنهج (بفتح الميم وكسرها) والمنهاج لغة: الطريق الواضح
وفي الاصطلاح التربوي هو: "مجموع الخبرات والمهارات وأوجه النشاط التي توفرها المدرسة لتلاميذها، لتحقق لهم أقصى درجة ممكنة من النمو المتكامل، وتحقق للمجتمع كامل أهدافه من التربية والتعليم.."
وقد تطور مفهوم المنهج وصار يشمل: الأهداف، والمقررات الدراسية، وأساليب التدريس، والوسائل التعليمية، والتقويم().
أهمية المنهج:
سئل أحد السياسيين عن مستقبل أمة، فقال: ضعوا أمامي مناهجها أنبئكم بمستقبلها.
يعد المنهج لب التربية، وهو الوسيلة التي تصل بها الأمة إلى ما تبتغيه من أهداف، وهو –بإجماع المربين- الأساس الذي يرتكز عليه بناء التربية، فبقوته يرسخ البناء ويقوى، وبضعفه ينهار البناء().
المطلب الثاني: تعريف المحظرة
الأصل اللغوي:
يتفق الباحثون على أن لفظ المحظرة مشتق: إما من الاحتظار، أو من الحضور والمحاضرة؛ فهي اسم لمجموعة من الحظائر يحيط بها الحي مساكنهم وأنعامهم، أو هي من الحضور والمحاضرة، "فقد كان الطلبة يأتون من كل حدب وصوب إلى شيوخ العلم لحضور دروسهم ومحاضراتهم"(). ويميل الأستاذ الخليل النحوي إلى ترجيح المعنى الأخير مستندا على بعض المسوغات().
التعريف الاصطلاحي:
المحظرة في الاصطلاح المحلي: "مؤسسة دراسية تقليدية جامعة لشتات المعارف قد تتسع دلالتها لتشمل كتاتيب القرآن، ولكنها تنصرف غالبا في الاصطلاح إلى المدارس التي يتلقى فيها الطلبة مختلف المعارف الأخرى تدرجا من المستوى الابتدائي وصولا إلى المستوى الجامعي"(). أو هي باختصار: "جامعة شعبية بدوية متنقلة تلقينية فردية التعليم طوعية الممارسة"(). وهذا التعريف من أكثر التعريفات دقة وشمولا؛ لاحتوائه على أهم سمات المحظرة وخصائصها.
المطلب الثالث: المسيرة التاريخية للمحظرة
إن المتتبع لتاريخ المحظرة الموريتانية يلاحظ أنها مرت بثلاثة أطوار:
1- طور التأسيس والانتشار: ويبدأ بمقدم الفقيه عبد الله بن ياسين الجزولي (تـ 451هـ) إلى البلاد، حين أسس رباطا يعد النواة الأولى للمحاظر باتفاق المؤرخين.
ويرجع بعض الباحثين بدايات المحظرة إلى الفتح الإسلامي في القرن الثاني الهجري، إلا أن هذه البدايات كانت مقتصرة على كتاتيب القرآن ولم تتجاوزها().
وبعد استشهاد ابن ياسين تولى مهمة التدريس العالمان: الإمام الحضرمي (تـ489هـ)، والإمام إبراهيم الأموي (تـ500هـ). وانتشر التعليم المحظري في المدن والحواضر حتى نهاية القرن العاشر الهجري، وخصوصا في المدن التاريخية الأربع: شنقيط، وادان، تيشيت، ولاته.
2- طور التنوع والازدهار: وبدأ بانتقال المحاظر إلى البادية وازدهارها فيها بعد تراجع العطاء العلمي للمدن التاريخية بسبب الحروف الأهلية. وتتابع هذه الازدهار منذ القرن الحادي عشر الهجري في البادية، وهي ظاهرة جديرة بالتأمل، يقول الدكتور أحمد بن حبيب الله: "إذا كان العلم صنعة لا يمكن أن تزدهر إلا في المدن والحواضر كالصناعات عامة حسب نظرية ابن خلدون الذي يقول: (إن التعليم إنما يكثر حيث يكثر العمران وتعظم الحضارة، وذلك لأنه صناعة) فإن الواقع الشنقيطي القديم والحديث قد قلب الأطروحة الخلدونية رأسا على عقب"().
ويمثل هذا الطور العصر الذهبي للمحظرة طوال مسيرتها التاريخية حيث بلغت أوج ازدهارها في القرن الثالث عشر ومطلع القرن الرابع عشر الهجري.
3- طور التراجع والانحسار: بدأ هذه الطور مع دخول الاستعمار الذي بدأ بمضايقة المحاظر بإنشاء المدارس الحديثة، فتأثرت المحاظر بذلك بالرغم من مقاومة أهلها. ومع مطلع الاستقلال انتشرت المدارس الحكومية وانصرف إليها كثير من أبناء الشعب. ثم جاءت أزمة الجفاف والتصحر مع أوائل السبيعينات، فتأثرت المحاظر بها أكثر من غيرها بسبب الهجرة الكثيفة لسكان البادية إلى المدن بحثا عن العمل والعيش، بعد تأثر اقتصادهم البدوي الناتج عن الجفاف().
غير أنه تأسست في العاصمة معاهد ومدارس يتبع بعضها منهجا توفيقيا بين وسائل العصر ومناهجه وروح المحظرة وبرامجها. ومنها: مدرسة العون، ومعاهد الفاروق، وابن عباس، وخالد، والمعاهد التابعة للتجمع الثقافي الإسلامي. كما أسست الدولة المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية. وهناك اهتمام متجدد بإحياء زوايا ثقافية تراثية منها على سبيل المثال: زاوية الشيخ سيدي المختار الكنتي، وزاوية الشيخ محمد المامي، وغيرهما.
المبحث الثاني: المنهج التربوي للمحظرة
المطلب الأول: المقررات (البرنامج الدراسي)
معارف المحظرة وترتيبها:
يصنف العلامة المختار ولد حامدن معارف المحظرة مرتبة وفق ما يلي():
- الدرجة الأولى: القرآن وعلومه، والحديث وعلومه، والفقه وأصوله، والتصوف، والسيرة، والغزوات، وفتوحات الصحابة وأنسابهم.
- الدرجة الثانية: اللغة، والنحو، وعلم البلاغة، والعروض، وأنساب العرب وأيامهم.
- الدرجة الثالثة: المنطق، والتاريخ، والجغرافية، والحساب، والفلك، والهندسة.
وتختلف المحاظر في ترتيب المعارف حسب الجهات؛ فبعض المحاظر في "الكبله" تبدأ بالفنون اللغوية، ثم العقائد، ثم الفقه. أما محاظر شرق البلاد ووسطها فتبدأ بالفقه أولا (الأخضري، ابن عاشر، الرسالة، مختصر خليل). ويقول محمد مبارك اللمتوني مبينا رأيه في ترتيبه المنهج():
وقَدِّمِ الأهمَّ إنَّ العلمَ جمّْ = والعلمُ طيفٌ زارَ أو ضيفٌ أَلَـمّْ
أهمُّه عقائدٌ ثمَّ فروعْ= تصوفٌ وآلةٌ بها الشروعْ
بيد أن مناهج الدراسة تتركز في ثلاثة فنون رئيسة لا تخلو منها محظرة، وهي: الفقه، واللغة، والنحو. وقد تزيد عليها بعض المحاظر فنونا أخرى كالتفسير والحديث والسيرة. وأشهر الكتب المتداولة في الفقه مختصر خليل، وهو المعتمد عليه في الفقه والفتيا، يليه في الأهمية ألفية ابن مالك في النحو، وفي اللغة تأتي المعلقات والدواوين الشعرية (حسان بن ثابت وغيلان..) في المقدمة.
التخصص في المحاظر:
رغم غلبة الطابع الموسوعي للمحظرة الموريتانية فقد اشتهرت بعض المحاظر بالتخصص في بعض الفنون؛ فمحظرة "الكحله" (في آفطوط) متخصصة في العلوم الشرعية فقط. أما ربيبتها "الصفره" فهي متخصصة في العلوم اللغوية فقط. وكانت محاظر الشرق (في لعصابه والحوضين) تعتني بالقرآن وعلومه مع دراسة العلوم الشرعية، وفي محاضر "الكبله" (في جنوب غرب البلاد) كانت دراسة مختصر خليل والألفية على حد سواء في الأهمية. واشتهرت بعض من محاضر "الكبله" بالدراسات النحوية واللغوية مثل محظرة محمدو بن حنبل الحسني، ومحظرة يحظيه بن عبد الودود القناني، ومحظرة اجدود بن اكتوشن العلوي. وكذلك اشتهرت محظرة أهل محمد سالم المجلسي باختصاصها في الفقه واللغة والتفسير والحديث في زمن مؤسسها المذكور().
وسنأخذ نموذجين للاستدلال على المنهج الدراسي للمحظرة يمثلان منطقتي "الكبله" وشرق البلاد. أولهما: محظرة يحظيه بن عبد الودود (تـ1358هـ)، والآخر: المعارف والفنون التي درسها والد الشيخ سيدي المختار الكنتي.
في النموذج الأول، يتحدث الأستاذ الباحث محمذن ولد المحبوب في مقال له عن محظرة يحظيه بن عبد الودود، مشبها إياها بجامعة لها كليتان تحويان خمس شعب دراسية()، ويمكن تصنيفها حسب ما يلي:
1- كلية الشريعة الإسلامية:
-شعبة العقيدة والتوحيد: (إضاءة الدجنة، الوسيلة لابن بونه، العقائد السنوسية..).
-شعبة الفقه وفروعه: (الرسالة، مختصر خليل وشروحه).
2- كلية الآداب والعلوم الإنسانية:
-شعبة النحو واللسانيات والصرف: (تدريس ألفية ابن مالك مع توشيح ابن بونا عليها، ولامية الأفعال لابن مالك مع توشيح الحسن بن زين وتكميله لها).
-شعبة اللغة والأدب: (تدريس دواوين الستة الجاهليين للأعلم الشنتمري، وغيلان، وكامل المبرد، وأشعار العباسيين).
-شعبة التاريخ والسير والجغرافية: (تدريس نظم الغزوات للبدوي، وعمود النسب له أيضا، وقرة الأبصار للمطي..).
أما النموذج الثاني الذي يمثل المنطقة الشرقية، فيذكر الشيخ سيدي المختار الكنتي في كتابه "الطرائف والتلائد" الفنون التي درسها والده معددا إيها: (مختصر خليل، نظم الغزوات، الرسالة، حدود ابن عرفة في الفقه، ألفية ابن مالك، الفريدة للسيوطي في النحو، ألفية السيوطي (عقود الجمان) في البلاغة، المنجور على قواعد الزقاق في القواعد، وورقات الجويني، وجمع الجوامع في الأصول، والصحاح الستة في الحديث، وتفسير ابن عطية)().
المطلب الثاني: الأهداف والوسائل التعليمية
الأهداف:
المحظرة ليست مجرد مدرسة جامعة تلقن المعارف فحسب، بل هي مدرسة للحياة، تعنى بتكوين الطالب جسميا وعقليا ونفسيا تكوينا متكاملا. فهي تعد الشباب الغض لمواجهة الحياة الخشنة في البادية والصحراء، حتى إذا خرج منها عاد إلى أهله جاهزا لمواجهة أعباء الحياة().
والطالب عادة يتوجه إلى المحظرة ولا هم له إلا التعلم والتفقه في الدين، وليس الشهرة أو المنصب أو المتعة المادية.
الوسائل:
ويقصد بها كلم ما يستعان به لتيسير عملية التعلم على الطالب(). والوسائل في التعليم المحظري تقتصر على أدوات الكتابة والتعلم. وهي:
- اللوح، ويصنع من الخشب المحلي، وتكتب عليه الدروس، ويفضلونه على الورق في التعلم. وقد ارتبط اللوح بالمحظرة ارتباطا وثيقا، وكان له نصيب من الأدب المحظري. يقول الشيخ محمد بن حنبل في اللوح:
عِمْ صباحًا، أفلحتَ كلَّ فلاحِ= فيكَ يا لوحُ لمْ أطعْ ألفَ لاحِ
أنتَ يا لوحُ صاحبِي وأنيسِي= وشِفائِي مِن غُلَّتي ولُوَاحِي
فانتصاحُ امرئٍ يَرُومُ اعتياضِي= طلبَ الوَفْرِ منكَ شرُّ انتصاحِ
بكَ لا بالثَّرا كَلِفتُ قديمًا= ومُحَيَّاكَ لا وُجوهِ الملاحِ
- القلم، ويصنع من أعواد الثمام أو الجريد، ويبرى ويشق رأسه لتسهيل انسياب الحبر منه. ويستعمل للكتابة على اللوح وعلى الورق أيضا.
- الورق، وقد جاء متأخرا، وهو يستورد من الخارج، ويستعمل للاستنساخ والتدوين والتصنيف.
- الحبر، ويصنع من أخلاط محلية، ويتوفر بألوان مختلفة منها: الأسود وهو أكثرها استعمالا، والأحمر وأكثر ما يستعمل في التوشيح والتطرير، والأخضر وهو قليل الاستعمال.
- الكتاب، وكان نادرا وغالي الثمن، وقد دخلت الكتب إلى البلاد عن طريق الرحلات العلمية ورحلات الحج. واشتهرت مدن مثل شنقيط وولاته بكثرة مكتباتها().
المطلب الثالث: أساليب التدريس.
الزمن:
يبدأ وقت الدراسة من الصباح حتى الليل في أغلب الأحيان، تبعا لكثرة الطلاب وازدحام المحظرة بهم. وتختلف طريقة التدريس من محظرة إلى أخرى، والغالب أن يتبع الشيخ إحدى ثلاث طرائق:
1- تقسيم ساعات النهار على المواد الدراسية حسب أهميتها.
2- التدريس الجماعي أو الزمري: ويدعى محليا بـ"الدولة"، وهو عبارة عن مجموعة من الطلاب يشتركون في وحدة الفن والنص.
3- استقبال الطلاب حسب الأسبقية في المجيء (نظام الأول فالذي يليه).
كيفية التدريس:
لا توجد كيفية معينة تضبط الهيئة التي يُدرس عليها الشيخ. فالشيخ كما يقول أحمد بن الأمين الشنقيطي في الوسيط: "يدرس مرة ماشيا مسرعا، ومرة جالسا في بيته، ومرة في المسجد، وفيهم من يدرس في أثناء الارتحال.."().
خطوات تحصيل الدرس:
يتبع الطالب في دراسته تسلسلا معينا: فهو يكتب النص على اللوح الخشبي، ثم يقرأه على "المرابط" للإجازة، ثم يقبل على قراءة النص بالتكرار حتى يحفظه، ثم يقرأه على "المرابط" غيبا واستظهارا من ذاكرته، ثم يعود لقراءته مجزأً (جملة جملة أو بيتا أو بيتا، حسب نوع الفن) والشيخ يتولى الشرح في أثناء ذلك. ولا يبقى بعد هذه المراحل إلا التكرار لترسيخ المعلومات في الذهن().
وقد جمع هذه الخطوات العلامة محمذن فال بن متالي التندغي، فقال:
كَتْبٌ إجازةٌ وحفظُ الرسمِ= قراءةٌ تدريسٌ اخذُ العلمِ
ومن يقدمْ رتبةً على المحلّْ= مِنْ ذِي المراتبِ المرامَ لم يَنَلْ
المطلب الرابع: التقويم.
يختلف نظام التقويم في المحظرة عنه في المدارس والجامعات الحديثة. ومع ذلك فالتقويم عملية مستمر في رحاب المحظرة، وتؤدي إلى نتائجها بكفاءة. ويتخذ هذا التقويم نمطين() هما:
1- التقويم التكويني: وهو التقويم المستمر السائد في المحظرة، ومن أشكاله:
- التقويم الذاتي الزمري: وهو ظاهرة تنفرد بها المحاظر، وتأخذ شكل أحاجيَّ وألغاز ومساجلات وتمرينات يختبر بها الطلاب بعضهم بعضا، ويطلع الشيخ عادة على سير هذا التقويم للاستفادة من في رصد مستويات الطلبة.
- اختبار القافلة: وهو أن يتعرض الطلاب للقوافل، ويطلبوا من علمائها اختبار مستوياتهم العلمية، فيمتحنهم هؤلاء، فإن نجحوا استحقوا عليهم مكافأة.
2- التقويم النهائي: وهو لا يتخذ شكل امتحان أو اختبار، وإنما يبني الشيخ تقويمه النهائي للطالب على أدائه في سلسلة الاختبارات التكوينية التي خاضها في أثناء دراسته، ويجسد الشيخ قراره بمنح الإجازة بناء على هذا التقويم. والإجازة نوعان:
-إجازة مقيدة: وتختص بفن واحد كالمقرإ، أو النحو، أو الحديث. ويلزم فيها إثبات سلسلة رجال السند الذي أخذ عنهم.
-إجازة مطلقة: ولا تمنح إلا لأفراد قليلين من النابهين الذين استكملوا جميع العلوم المدروسة في المحظرة، وأخذوا كل ما عند الشيخ، وعادة ما يؤسس هؤلاء محاظر جديدة في أحيائهم.
المطلب الخامس: الفضائل والنواقص في المنهج التربوي للمحظرة.
الفضائل:
يلتقي المنهج التربوي للمحظرة في بعض مبادئه مع قواعد التربية الحديثة، ويمتاز عنها بما يلي:
- الحرية: طلاب المحظرة أحرار في اختيار الفن المدروس، والمنهج، والمدة التي يقضونها، بل وفي المعلم (إن كان في المحظرة أكثر من شيخ).
- المساواة: يحق لكل شخص الالتحاق بالمحظرة، بعض النظر عن عمره أو بيئته الاجتماعية، والطلاب سواسية، فمعيار التميز عندهم هو التفوق المعرفي فقط.
- المجانية: المحظرة لا تأخذ رسوما من طلابها، فالطالب الموسر ينفق على نفسه، أما المقتر فينفق عليه الشيخ أو زملاؤه أو أهل الحي().
- الموسوعية: فالمحظرة جامعة موسوعية يتلقى فيها الطالب المعارف والفنون المختلفة.
أما المبادئ التي تضبط التدريسَ()، فأهمها:
- التدرج: وهو الالتزام بالتسلسل الطبيعي في دراسة المتون، وفيبدأون بالمتون السهلة، وينتقلون إلى المتون الصعبة؛ ففي الفقه: الأخضري، ثم ابن عاشر، ثم الرسالة، ثم المختصر. وفي النحو: الآجرومية، فنظم عبيد ربه، فالألفية. وعكسه التنكيس الذي نهى عنه أحدهم قائلا:
علامةُ الجهلِ بهذا الجيلِ= تركُ الرسالةِ إلى خليلِ
وتركُ الَاخضرِيْ إلى ابنِ عاشرِ= وتراكَ ذيْنِ للرسالةِ احذرِ
- وحدة المتن واستيفاؤه: فيحظر على الطالب الاشتغال بأكثر من فن في آن واحد. قال أحدهم:
وإنْ تُردْ تَكميلَ فنٍّ تَممَهْ= وعنْ سواه قبلَ الانتهاءِ مَهْ
- تقليل الحصة الدراسية لتمكين الطالب من الاستيعاب، ومثاله تقسيم المختصر إلى "أقفاف" معروفة.
- إعادة دراسة المتن بعد استيفائه أكثر من مرة؛ لزيادة الحفظ والاستيعاب.
- اعتماد الطريقة التلقينية في توصيل المعلومات، تطبيقا للمقولة المأثورة: "العلم يُؤخذ من أفواه الرجال لا من بطون الكتب".
النواقص:
وأغلبها يخضع لمؤثرات خارجة عن المحظرة، كالبداوة، وتواضع الوسائل، وقساوة الظروف الاقتصادية والاجتماعية. ومنها ما يتعلق بالمحتويات، ومنها ما يتعلق بالتدريس. وأهمها:
-إهمال الدراسات المتعلقة بالتفسير والحديث، لغلبة تقليد المذهب المالكي والاستدلال بفروعه من خلال نصوص خليل. أما قراءة القرآن والحديث فكانت غالبا للتبرك لا للاستنباط والعمل.
-الاقتصار في الفقه على دراسة المذهب المالكي وإهمال المذاهب الأخرى. ولعل ذلك يعود إلى انتشار المذهب المالكي دون غيره المذاهب.
-غياب المواد العلمية والرياضية في برنامج المحظرة الدراسي. ويسوغ الأستاذ محمد المختار بن اباه ذلك بقوله: "وطبيعة البلادة تفسر هذه الظاهرة، فحياة البادية لا تحتاج إلى صناعة وهندسة، ويكفيها من الحساب ما يستعان به في قسمة الفرائض على أهل السهام"().
-الإكثار من الاستطراد في الشرح؛ وهو قد ينقل الطالب من فنه إلى متاهات الفنون الأخرى.
-حشو ذهن الطالب بالمعلومات؛ وقد يؤدي ذلك إلى تشتت في ذهنه.
هذه هي أهم النواقص الشائعة مع وجود استثناءات في بعض المحاظر. ويلاحظ قلة النواقص في جانب المزايا والفضائل، وقديما قيل: "كفى المرء نبلا أن تُعد معايبه".
الخاتمة:
لقد كانت المحظرة عبر تاريخها منارة للمعرفة ومعقلا للإسلام في غرب إفريقيا؛ فانتشر إشعاعها الديني والمعرفي في المنطقة، وأنجبت أعلاما كان لهم حضور علمي كبير في خارج البلاد، حتى قال طه حسين في وصف أحد مخرجات هذه المحظرة، وهو العلامة محمد محمود بن التلاميد التركزي: "كان أولئك الطلبة يتحدثون أنهم لم يروا ضريبًا للشيخ الشنقيطي في حفظه للغة ورواية الحديث سندًا ومتنًا عن ظهر قلب"(). والفضل في ذلك بعد الله يعود إلى المنهج التربوي للمحظرة الموريتانية، وهو المنهج الذي يتسم بالمرونة والتكامل والتنوع والثراء شكلا ومضمونا.
"وقد أُعجبَ الناس (في الخارج) بهذه المؤسسة ومنهجها الفريد من خلال العلماء الذي التقوا بهم أو عرفوهم؛ فالشيخ عبد الرحمن بن بلال لما استدعته جامعة اليمن طلبوا منه إنشاء محظرة هناك. وفي أمريكا أسس تلامذة العلامة الشيخ الحاج بن فحفو الشنقيطي – وهم أمريكيون- محظرةً في كاليفورنيا باسم (الزيتونة) يديرها الشيخ حمزة يوسف، وتُدرس المتون والشروح على الطريقة الموريتانية"().
وكل ذلك يدل على كفاءة هذا المنهج ونجاحه حتى على الصعيد الخارجي. وما أحرانا أن نستفيد من المزايا التي يتحلى بها المنهج المحظري في إغناء نظامنا التعليمي الحديث المتعثر والنهوض به، سواء من حيث الشكلُ أم من حيث المضمونُ.

 إعداد:
أبي سارة الحسني الشنقيطي

من أدب المحاظر الموريتانية

إن خير ما استراح إليه الإنسان من الآداب ما يتعلق بالعلم وأهله شيوخا وطلبة وغير ذلك ..

وإنه مما لا يخفى أن للمحاظر الموريتانية نصيبا كبيرا من هذه الآداب المنثورة والمنظومة

فمن ذلك أبيات العلامة ممو أحمد محمود بن عبد الحميد الجكني المشهورة وهي :

لبيت خباء قد تلاشت حباله …….وأوصاله بالي الجوانب طامسُ
طويل القرى يلفى الرماد مفرقا ….. بحافاته منه جــديد ودارسُ
به فتية شم الأنوف أماجـد …… لهم همم قصوى كرام أشاوسُ
يناضل بعض القوم بعضا فيمتري …. فتفتح من بعد الجدال القوامسُ
أقيم به عاما وعاما وثالـثا …….... وعاما له عام الترحل خامسُ
أحب إلينا من خباء لطفلـة ….. كعوب لعوب ما لها فيه حارسُ
وهذه مساجلة شعرية بين خرّيج الجامعة الإسلامية وخرّيج المحظرة الموريتانية 
خرّيج الجامعة الإسلامية:
من مهبط الوحي نبراس المهارات = قد جئت مدّرعا سيف الثقافات
قد جئت أحــمـل للتوحيد رايته = بها أطاول أعنان السماوات
خرّيج جامعة الإسـلام رائـدها = بين الأنـام وذا رمـز السـيـادات

خرّيخ المحظرة الموريتانية:
من خيمة العلم في أرض العطاءات = أشرقتُ شمسا أضاءت للبريّات
خريخ محظرة نَبلُ العلوم بها = حفظُ النصوص وإتقان المهارات
من أرض شنقيط والألواح أحملها = منها دروعي ونبراسي وءاياتي

خريج الجامعة الإسلامية :
لا تفتخر بمداد خط في خشب = فالأرض تخرج أنواع النباتات
انظر فهذي شهاداتي شَرُفْتُ بها =بعد اجتهادي وكدّي في اختبارات

خريج المحظرة الموريتانية:
حفظي شهادة علمي أستنير بها = لا رقعة من سجلّات الإدارات
والكدّ ليس لأوقات محــدّدة = والعلم في الصدر لا علم الشهادات

خريج الجامعة الإسلامية:
علمي حصيلة أعوام ممــدّدة = بين المراجع أقضي جل أوقاتي
ورُبّ مكتبة للعلم شاملــــة = أرهقتها في جهازي بالقراءات
فلست آ كل إلا بعد مخمــصة = ولا أسافر إلا في الإجازات

خريج المحظرة الموريتانية:
علمٌ حصيلة أعوام يضيع سدى = إذا تجاوزت يوم الاختبارات
والعلم عندي رفيق ظل يؤنسني=وقد صرفت له جهدي وطاقاتي
فما طلبتُ به نيل الوظيفة لا = ولا درست لأجل الامتحانات

المحاظر الموريتانية.. المناهج التعليمية


تضاربت آراء الدارسين والباحثين حول اشتقاق كلمة "المحظرة" فبينما يرى البعض أنها مشتقة من
الحضور وذلك لحضور الطالب درس الشيخ (أبدلت الضاد فيها ظاء مشالة بفعل التداول المحلي) يميل آخرون إلى أنها "مفعلة" من الحظيرة؛ وذلك بناء على طبيعة المساكن التي كان يأوي إليها الطلبة وهي عبارة عن مكان يرتب من الحشيش أو أغصان الشجر، فيما يذهب فريق ثالث إلى أن أصل الكلمة مشتق من الحظر بمعنى المنع؛ إذ يحظر على الطالب أن يقوم فيها بأي فعل أو قول حظره الشرع الإسلامي ويحرمه.

إجماع موريتاني

ولم يمنع الاختلاف في أصل الجذر من الإجماع على التعريف الاصطلاحي الذي باتت تدل عليه تلك الكلمة في المجتمع الموريتاني؛ إذ إنها كما عرفها الباحث الموريتاني الخليل النحوي في كتابه "بلاد شنقيط المنارة والرباط" عبارة عن "جامعة بدوية شعبية متنقلة تلقينية فردية التعلم طوعية الممارسة". وفي تلك المؤسسة التعليمية الحرة يتلقى "التلاميد" كما يعرفون محليا مختلف العلوم اللغوية والشرعية على يد الشيخ ابتغاء وجه الله.
وقد اتفقت كلمة الدارسين والباحثين على الدور الكبير الذي قامت به في موريتانيا من خلال إشعاعها العلمي وعطائها المعرفي المتميز؛ وهو ما أولاها عناية كبيرة من لدن مختلف فئات المجتمع فأصبحت لها تقاليدها الخاصة بها ومعاييرها ومبادئها التي يحترمها الجميع من داخلها وخارجها.
وقد عرفت المحظرة طريقها إلى مجتمع كانت الحياة البدوية طابعه حيث كان السكان يعتمدون في حياتهم على تتبع الكلأ والعشب والماء في صحراء مترامية الأطراف تعاني الخشونة وشظف العيش؛ فحولت هذا المجتمع الذي كان لاهثا خلف الريح والغمامة إلى مجتمع معرفي متميز حفظ الشرع الإسلامي واللغة العربية وآدابها في ظرف عصيب، بل أكثر من ذلك، حيث امتد إشعاع عطائه العلمي وجهده الدعوي إلى إفريقيا التي كان يؤمها العرب من موريتانيا تجارا ودعاة إلى الله، وازدهرت في ذلك المجتمع الآداب إبان الغفوة الأدبية التي ألمت بالعالم العربي فيما يعرف لدى الدارسين بعصر الانحطاط، وأصبحت كلمة الشنقيطي- نسبة إلى حاضرة شنقيط- في العالم العربي ترمز للعلم الغزير والحفظ العجيب نظرا للمرتبة العلمية المتميزة التي وصل إليها العلماء الموريتانيون الذين هاجروا سواء إلى المغرب أو المشرق؛ لهذا لا عجب أن نرى بعض الباحثين يميلون إلى أن الدرس العربي الأدبي لو اعتمد الأدب الموريتاني في عصر الانحطاط لتضاءلت تلك النظرية التي طبعت تصنيفه ردحا من الزمن.
ويمكن أن نحدد بداية تأسيس المحظرة في موريتانيا بالرباط الذي أسسه الداعية والمعلم المعروف عبد الله بن ياسين في القرن الخامس الهجري، في منطقة قريبة من العاصمة نواكشوط، والذي كان منطلقا لتأسيس دولة المرابطين في المغرب.
وظل الأمر يتطور ويتكون حتى بلغ الذروة مع انتشار المحاظر في موريتانيا في القرون اللاحقة، سواء في الحواضر كشنقيط ولاته، أو في الربوع الصحراوية المترامية الأطراف والتي هي الأكثر سكانا.

نظام المحاظر

ولا يختلف نظام المحاظر كثيرا فهي تعتمد في التدريس على شيخ يقوم بالتفرغ لذلك احتسابا لوجه الله، ولا يخلو حي من الأحياء البدوية من محظرة على الأقل.
وتبدأ علاقة الطالب بالمحظرة منذ أن يستقيم لسانه، وعادة ما تكون البداية مع إحدى قريبات الطالب سواء كانت أمه أو خالته أو عمته أو جدته أو أكبر العائلة سنا استئناسا بها وطلبا لنيل البركة، وأحيانا توجد في الحي من تتفرغ لهذه المهمة. ويبدأ الطالب بكتابة الحروف في لوح خشبي مصنوع خصيصا لهذا الغرض صمم من قبل صناع مهرة، ويكتب فيه بمداد يجهز من ماء مخلوط بفحم وصمغ يضمن بقاء الدرس فترة طويلة على اللوح.
وبعد إتقان الهجاء تكتب للطالب أبيات أو أنظام للتمرن على القراءة السليمة قبل البدء بالقرآن ثم ينتقل بعدها لكتابة القرآن بدءا بالفاتحة وبعض السور القصار ليفتتح ترتيب القرآن بحزب سبح، ويعتمد الموريتانيون في التنسيق القرآني على الأثمان والأحزاب بدءا بحزب "سبح اسم ربك" وانتهاء بحزب "الم".
وحينما يصل الطالب إلى مرحلة متقدمة يوصى به إلى شيخ المحظرة في الفريك -وهي كلمة تعني الحي- وأحيانا يبعثه ذووه إلى "محظرة" في حي آخر طلبا للأفضل أو لشهرة تلك المحظرة في العطاء الجيد والأداء المتميز.
ويتسع اللوح لأربعة دروس يراجعها الطالب حتى إذا ما أتقنها حفظا غسل أقدمها في مكان معد لذلك ثم يكتب درسا (كتبه) جديدا بدله وهكذا. ولا ينقطع الطالب عن المذاكرة والاستظهار في فترات تبدأ من الهزيع الأخير من الليل لتنتهي ضحى، ثم تستأنف عند صلاة الظهر وتنتهي عند العصر ثم يعود الطالب قبل المغرب… وهكذا.
ويراوح الطالب في هذه الفترات بين قراءة الدروس الجديدة المكتوبة في اللوح واستظهار القديم منها على الشيخ أو على يد أحد التلاميذ الذين يثق الشيخ في حفظهم، ويرى فيهم الكفاءة والقدرة على تلك المهمة.
وعادة ما يكتب الطالب ثمنا (وهو اصطلاح مغربي لترتيب الأحزاب) بعدما يتجاوز المراحل الأولية المتقدمة، ويكون الطالب في هذه المرحلة متفرغا لدراسة القرآن الكريم، حتى يختمه، وحينها تخضب يده بالحناء وتقدم له ولذويه التهاني ويقال إنه "حن أيد" أي خضب يده بالحناء.
وبعد الانتهاء من القرآن الكريم، يبدأ في كتابة بعض النصوص المتعلقة بالنص القرآني مثل كتب الرسم العثماني وكتب القراءات مثل "الشاطبية" و"طيبة النشر في القراءات العشر" وغيرها، ونظم "ابن بري" في قراءة الإمام نافع رحمه الله. والقراءة المتداولة في موريتانيا هي قراءة الإمام نافع بروايتي ورش وقالون، وتداول رواية الأول أكثر من الثاني.
ويختص شيخ المحظرة القرآنية بأخذ الأجرة على تدريسه، وعادة ما تكون عبارة عن شاة أو جذعة من الإبل أو البقر، وما يجود به ذوو الطلاب من منح وعطايا متنوعة. وإذا كان الشيخ فقيرا أو يعيش في غير حيه فإن على أولياء الأمور الإنفاق عليه والاهتمام بمصالحه.
وبعد البلوغ يبدأ الطالب في الانتقال من مرحلة التلقي الإجباري للقرآن الكريم والتي قد يصحبها التهديد والوعيد والضرب أحيانا إلى مرحلة تلقي العلم، وله شيوخه المختصون، ولا يأخذون أي أجر مقابل تعليمهم، والغالب أن يكون الشيخ عالما في كل الفنون، وإن كان له قصب سبق في فن من الفنون؛ يؤمه الطلاب للتوسع والتخصص في ذلك الفن.
ويحظى شيخ المحظرة بإجلال كبير من لدن الطلاب، ويتهلل أحدهم فرحا إذا كلفه الشيخ بمهمة ما، وكلما كانت أكثر صعوبة كانت الفرحة والبشارة أكبر، ويتداولون في يومياتهم حكايات أولئك الطلاب الذين (فتح الله عليهم) بسبب خدمة قدموها للشيخ أو أداء مهمة شاقة كلفهم بها، ولهذا يسعون جميعا في خدمة الشيخ طواعية والسهر على مصالحه ورعايتها دون كلل أو ملل؛ علهم يحظون بذلك "الفتح" أو يحظون بدعاء صالح من الشيخ. وتتأكد أهمية شيخ المحظرة إذا ما وضعنا في عين الاعتبار أن الموريتانيين يجنحون إلى مقولة "العلم من أفواه الرجال لا من بطون الكتب".
ولا تعتمد المحظرة على نظام المقاعد الدراسية، ولا تراعي في الطالب أي سن، ولا تراعى كذلك في الدراسة فترة زمنية معينة فالجميع حر في أن يلج تلك المؤسسة التعليمية في أي سن وفي أي وقت حسب الجهد والإمكان
والطالب في المحظرة حر فيما يكتبه من الفنون ومن المتون، وإن كان رأي الشيخ مقدما وفيه "البركة". وعادة ما يبدأ بالنحو والشعر بعد القرآن وما يلزمه معرفته من فرض العين في الفقه عند البلوغ. وقد نظم العلامة محمد بن فال ولد متالي رحمه الله ترتيب الأهمية بالنسبة للعلوم بقوله:
وقدم الأهم إن العلم جم ** والعمر طيف زار أو طيف ألم
أهمه عقائد ثم فروع ** تصوف وآلة بها الشروع
ولم يتعرض في هذا البيت للقرآن الكريم؛ نظرا لأنه عادة ما يكون مبتدأ دراسة الطالب قبل البلوغ كما مر.
تكامل العلوم
وعلم الآلة يقصد به النحو والصرف والبيان واللغة والمنطق ومبادئ الحساب، وهي علوم لأهميتها في المحظرة الموريتانية قال فيها العلامة "يحظيه ولد عبد الودود" رحمه الله: "من عرفها لم يعجز عن شيء من العلم لأنها آلته".
وتعتمد المحظرة الموريتانية على كتب تعتبر مرتكز الدراسة ومصدرا أساسيا لكل فن لا مندوحة للطالب من دراستها، وتنتشر في كل المحاظر، ويلتزم الطالب بكتاب واحد حتى يكمله؛ لأنه في نظر مشايخ المحظرة يمنع قراءة أكثر من كتاب أو فن في ذات الفترة، كما قال أحدهم:
وفي ترادف الفنون المنع جا ** إن توأمان استبقا لن يخرجا
ويكتب الطالب الدرس في اللوح، ثم يقوم بضبطه على الشيخ استعدادا لحفظه، ثم بعد ذلك يشرحه الشيخ له، على أن يقوم بعد ذلك بـ"التكرار"، والمقصود به المراجعة، وهي في نظرهم مهمة جدا، وينبغي ألا تتوقف تحت أي ظرف، ولا في أي وقت؛ ومن هنا شاعت كلمتهم المشهورة "من ترك التكرار لا بد أن ينسى".
ويرى الموريتانيون أن الترتيب السالف الذكر هو الأجدى لتحصيل العلم، وأن مخالفته تمنع من حصول المطلوب، كما قال الناظم:
كتب إجازة وحفظ الرسم ** قراءة تدريس أخذ العلم
ومن يقدم رتبة عن المحل ** من ذي المراتب العلم لم ينل
ويوزع الطلاب أحيانا إلى مجموعات باختيارهم تسمى المجموعة منها "الدولة"، تدرس كتابا من الكتب المعتمدة في المحظرة، وتقوم بالمراجعة الموحدة، ويتولى أحد الطلاب قراءة النص على الشيخ فقرة فقرة أو كلمة كلمة حسب المقتضى، ويفضل أن يكون أجود المجموعة، ويسمى "حمار الدولة". ويشرح الشيخ الدرس باللهجة المتداولة وإذا اقتضى الأمر الاستنجاد بما يتطلب وسيلة توضيحية يلجأ الشيخ إلى التراب كوسيلة توضيح لقاعدة ما أو ترتيب صور ما، وربما لجأ إلى أحد الكتب المتخصصة لتوضيح مشكلة ما أو لمعرفة بعض الآراء والصور المتعلقة بها.
ترتيب العلوم وفق أهميتها
وبالنظر إلى الكتب المعتمدة في المنهاج المحظري يتربع على القائمة في العقيدة نظم "إضاءة الدجنة في اعتقاد أهل السنة" للعلامة أحمد المقري رحمه الله، كما ذاع صيت نظم "وسيلة السعادة" للعلامة المختار ولد بونا رحمه الله، إضافة إلى عمدة هذه الكتب كلها، وهي أم البراهين، والكبرى والوسطى والصغرى للسنوسي، فضلا عما يصدر به بعض المؤلفين كتبهم الفقهية من مسائل عقدية كما فعل ابن عاشر، وكل هذه المتون أشعرية المعتقد.
وفي الفقه يتربع "مختصر خليل بن إسحاق المالكي" على قائمة الكتب المعتمدة في التدريس، وإن كان البدء بالمتون الفقهية القصار والسهلة ضروريا مثل "بن عاشر" و"الأخضري" ومتن "رسالة بن أبي زيد القيرواني"، و"كفاف المبتدي" للعلامة محمد مولود ولد أحمد فال رحمه الله.
هذا علاوة على تداول أمهات الكتب المالكية الكبرى كالموازية والواضحة وشروح خليل المتعددة.
وتشكل هذه الكتب العمدة في الإفتاء والنوازل والتوسع والتخصص، إلا أنها ليست في صلب المناهج التي تدرس، وإنما يلجأ إليها الشيخ أو الطالب للتوسع في الشرح أو لتوضيح قضية أو نازلة ما.
ونظرا لما لخليل من الأهمية في المنهج الفقهي قسمه الموريتانيون إلى دروس سموها "أقفافا" ومفردها "قف"، وهي توحي للطالب بأن تجاوز هذه المادة يعسر استيعابه وفهمه للذكي بله غيره. وعادة ما يعتمد "القف" على وحدة الموضوع أو فرع منه ذي ترابط قوي، كل ذلك في إشارة وتلويح إلى صعوبة هذا الكتاب وكثافة مادته العلمية. كما يطلق الموريتانيون على القسم الأول منه المختص بالعبادات "السفر"، والقسم الثاني المتعلق بالمعاملات "الباب". والغالب ألا يختمه حفظا واستيعابا إلا النابهون من "المحظرة". وقد اشتهرت محظرة أهل محمد محمد سالم بالتخصص في الدراسة الفقهية.
أما في الأصول فإن المتون الأساسية فيه أبرزها نظم "الكوكب الساطع" الذي عقد به السيوطي جمع الجوامع للسبكي، إضافة إلى "ورقات إمام الحرمين" التي نظمها الشيخ سيدي محمد ولد الشيخ سيدي المختار الكنتي رحمهما الله.
القواعد بعد العقائد
وفي النحو والصرف تشكل ألفية محمد بن مالك رحمه الله العمود الفقري للدرس. وكما خدموا "خليلا" من خلال تنظيمه وتوزيعه اهتموا بالألفية. وقد عقد النحوي المعروف المختار بن بونا رحمه الله كتاب التسهيل لابن مالك وسمى نظمه بـ"الاحمرار"، ووضع ما تبقى من الكتاب حواشي متعددة على النص تسمى "الطرة"، وقد أصبح "نظم" و"طرة" ابن بونا معتمدين في كافة المحاظر الموريتانية، ولا تدرس الألفية غالبا إلا مقترنة بهما. ويميز الطالب بين نص ألفية ابن مالك ونظم ابن بونا عن طريق لون الحبر؛ فتكتب ألفية ابن مالك بالحبر الأسود وتسمى "الاكحلال"، فيم يكتب نظم ابن بونا بالحبر الأحمر ويعرف بـ"الاحمرار"، وتكتب الطرة بالحبر الأسود. وإن أراد الطالب أن يزيد عليها تعليقا سمعه من الشيخ أو طالعه في مرجع ما، أو نظما لقاعدة جديدة فإنه يكتبها بحبر مغاير تمييزا لها، وتعرف تلك الزيادات بـ"الحواشي".
بيد أنه -كما مر بنا في الفقه- تداول الموريتانيون مختصرات في النحو تعتبر نواة يبدأ بها الطالب الدرس النحوي مثل "الآجرومية" و"ملحة الإعراب".
وقد امتازت المحظرة الموريتانية بتلقين نحوي ولغوي لا نظير له في العالم الإسلامي يتمثل في "الزرك"، وهو عبارة عن تعزيز القواعد النحوية وإثراء المادة اللغوية وذلك باختبار الطلاب كل ليلة ببيتين من قصيدة منتقاة من الشعر الجاهلي، ويشرح الشيخ البيتين شرحا وافيا بعد التأكد من حفظ الطلاب لهما، ثم يطلب منهم إعراب الأبيات كلمة كلمة شفويا، والغالب أن يتجمع الطلاب حسب مستواهم النحوي على أن يبدأ الضعيف فالمتوسط فالممتاز، وتكون فرصة لتدارس ومناقشة القواعد النحوية والاستزادة من المعجم اللغوي والحكايات والنوادر الأدبية.
ولا شك أن لتلك الفكرة دورا بارزا في التعود على الإعراب والتمرن على القواعد النحوية باستمرار، ناهيك عن الجانب اللغوي والأدبي الجلي تطبيقا دون اللجوء إلى الكتابة. وعادة ما يتباهى الطلاب أيهم أسرع في الإجابة وأكثر تركيزا ونضجا في الجواب. وقد يتبارى الطلاب فيما بينهم في إعراب كلمات من القرآن أو الحديث أو الشعر العربي، وفي حالة الاختلاف يكون الشيخ حكما يرضى الجميع بحكمه، وربما طلبوا منه أن يختبرهم بكلمة عويصة الإعراب يتبارون في كشف حقيقة إعرابها.
وللإعراب أهمية كبيرة في المحظرة الموريتانية لدرجة أنه شاع فيهم قول القائل:
كل فتى شب بلا إعراب ** فهُو عندي مثَل الغراب
(ومثل في البيت بتحريك الثاء)
ونجد أحد العلماء الموريتانيين وهو العلامة النابغة الغلاوي رحمه الله يعيب الفتوى على جاهل النحو حيث يقول:
وبعضهم يفتي وهو جاهل ** إعراب بسم الله عنه ذاهل
فمثل هذا لا يكون مرشدا ** لجهله النحو ومما أنشدا
عليك بالنحو فإن النحوا ** لحن الخطاب ملكه والفحوى
وقد اشتهرت بعض المحاظر بالتخصص في الدرس النحوي وإن شاركت في معرفة العلوم الأخرى مثل محظرة المختار بن بونا، ومحظرة ولد عبد الودود رحمهما الله.
ولم يكن الدرس الصرفي بأقل أهمية في المحظرة من الدرس النحوي، وكانت ألفية بن مالك و"لامية الأفعال" لنفس المؤلف ركيزتين في هذا النطاق. وقد صنعوا مع اللامية صنيعهم مع الألفية، فنظم العلامة الحسن ولد زين رحمه الله "احمرارا" على اللامية، ووضع عليها "طرة" يتعاطاهما الطلاب مع نص ابن مالك، ويعبرون عن أهمية الدرس الصرفي وسهولة مادته بقولهم إنه "علم شهر وندامة دهر"، فالطالب بإمكانه أن يتعرف على أولويات هذا الفن من خلال "لامية الأفعال" مثلا في غضون شهر، ومن لم يفعل ذلك لزمته ندامة الدهر لفقده أساسيات صرفية لا تستقيم اللغة دون معرفتها.
اللغة واللسان
ويوازي الاهتمام بالنحو والصرف في المحظرة الاهتمام باللغة التي كانت هي الأخرى تحظى بمكانة كبيرة، وقد نص العلماء الموريتانيون على أن تعلمها أوجب من التفرغ لعبادة الله تبارك وتعالى. يقول العلامة محمذن فال ولد متالي رحمه الله في هذا الشأن:
تعلم اللغة شرعا فضل ** على التخلي لعبادة الجلي
يؤخذ ذا من قوله وعلما ** آدم الأسماء الزم التعلما
مشيرا إلى الآية الكريمة "وعلم آدم الأسماء كلها" (البقرة: الآية31).
وكان استظهار النصوص الشعرية القحة كالمعلقات وديوان غيلان وذي الرمة وغيرهما من مختلف العصور الشعرية، فضلا عن روائع الشعر الموريتاني من أبرز أوجه الفتوة والسيادة الاجتماعية والثقافية؛ ولعل هذا هو السر في اهتمام الموريتانيين الكبير بالشعر وانتشار تداوله إنشادا وإنشاء، فقلما يخلو حي من شاعر على الأقل.
وقد بسط الاهتمام بالشعر الجاهلي وصدر الإسلام ظلاله على تلك الجزالة اللغوية التي طبعت شعر الموريتانيين، وعلى الالتزام بعموده الجاهلي المعروف حتى قال أحدهم في أبرز رواد المدرسة الجاهلية الشاعر محمد ولد الطلبة رحمه الله "إنه عربي أخّره الله"، وكان من شغف هذا الأخير بالعربية أنه إذا ألم بحي يستفسر عن القاموس المحيط قبل الِقرى فإن كان موجودا حط الرحال وإلا آذن بالرحيل.
ولهذا الدور الذي تلعبه اللغة كان الشاعر الموريتاني يصدح بعروبته مقدما الأدلة على ذلك من خلال لسانه الفصيح. يقول أحد الشعراء الموريتانيين في هذا النطاق:
إنا -بني حسن- دلت فصاحتنا ** أنا إلى العرب العرباء ننتسب
إن لم تقم بينات أننا عرب ** ففي اللسان بيان أننا عرب
وتداول الموريتانيون القاموس المحيط للفيروزآبادي رحمه الله، واتكئوا عليه في لغتهم، بل إن بعض المشايخ وطلبة العلم كان يستظهر الكثير من مادته اللغوية.
وكانت ألفية السيوطي عمدة أساسية في البيان والمعاني والبديع.
وقد اختلفت نظرتهم من حيث الحل والحرمة إلى المنطق؛ فمنهم من منعه، ومنهم من أجازه.
وقد تعرض أحد أبرز أساطين العقيدة الأشعرية المتكئة في استدلالاتها وبراهينها العقلية على المنطق في موريتانيا لهذا الاختلاف مبينا وجهة نظره الشرعية في جوازه وقيمته، ونعني به العلامة المختار بن بونا رحمه الله بقوله:
وإن تقل حرمه النواوي ** وابن الصلاح والسيوطي الراوي
قلت نرى الأقوال ذي المخالفة ** محلها ما صنف الفلاســفة
أما الذي صنفه من أسلما ** لابد أن يعــلم عند العلـما
ولا تثق بقولة من منطق ** من غير عالم بعلم المنطـــق
وقد اعتمدوا في المنطق على مؤلفات كالسلم المرونق للأخضري، والطيبية لمحمد بن طيب القادري.
وقد ذاع في هذا النطاق صيت نظم "مراقي السعود"، وشرحه "نشر البنود" للعلامة سيدي عبد الله ولد الحاج إبراهيم رحمه الله، وأصبح معتمدا في هذا الفن، إضافة إلى كتب أخرى للتوسع والتخصص والمطالعة مثل جمع الجوامع للسبكي.
أما السيرة النبوة فقد انتهجوا فيها نهجا يعتمد الحكايات الشفوية، وغالبا ما تتصدر النساء لتدريسها، وذلك بحكايتها للطالب، وسرد مجرياتها، وفي هذا النطاق يكتب الطالب نظم "الغزوات" ونظم "أنساب العرب" للعلامة الموريتاني البدوي، علاوة على تداول سيرة ابن هشام وسيرة الحلبي، ويكون الطالب على موعد مع السيرة في شهر ربيع الأول شهر المولد النبوي الشريف حيث تكون بمثابة استراحة "محارب" لما تتميز به من السهولة والتشويق، تنضاف إلى ذلك المدائح النبوية من مختلف العصور الإسلامية.
أما العروض والقافية فقد كان تداوله من خلال "الخزرجية"، بيد أن الكثير من الشعراء الموريتانيين كانوا يتباهون بعدم معرفتهم لهذا الفن وعدم اعتمادهم عليه كقول الشاعر:
أقول البيت منه بلا عروض ** على أقوى وأقوم الاتزان
وقد حاول الموريتانيون التوفيق بين الاستيعاب العلمي لمختلف العلوم السابقة وبين متطلبات الحياة البدوية العصية، وذلك بالاعتماد على الحفظ؛ وهو ما حدا بهم إلى نظم النوازل والقواعد والمسائل العلمية في شتى الفنون تيسيرا لحفظها، ولذلك انتشرت لديهم ظاهرة "الأنظام" بشكل كبير؛ فقلما يعجب شيخ أو طالب علم متمكن بقاعدة نحوية أو صرفية أو لغوية أو نازلة فقهية إلخ إلا وبادر إلى عقدها في نظم سلس لا يلبث أن ينتشر بسرعة لدى المتخصصين.
ولذلك انتشر لديهم أن من يحفظ النصوص لا تمكن مجادلته ومخاصمته أو التغلب عليه، ولهم في الرعيل الأول من الأئمة أسوة حسنة ففي هذا السياق يندرج قول الشافعي رحمه الله:
علمي معي حيثما يممت يتبعني ** قلبي وعاء له لا جوف صندوق
إن كنت في البيت كان العلم فيه معي ** أو كنت في السوق كان العلم في السوق

أحمد أبو المعالي
إسلام أون لاين 

11/04/2012

نبذة موجزة



قبل الدخول في هذه الورقة التعريفية عن المحظرة نود بادئ ذي بدء الحديث عن قرية وكشضه التي تحتضن فرعا الأول لهذه المحظرة،

تتبع قرية وكشضه إداريا لبلدية معدن العرفان إحدى بلديات مقاطعة أوجفت إحدى مقاطعات ولاية آدرار في الشمال الموريتاني ( للمزيد من المعلومات عن أوجفت زوروا 
موقعها على الانترنت ).

 تبعد وكشضه عن اوجفت 25 كلم شرقا كما تبعد 5 كلم من معدن العرفان بينما تفصلها عن العاصمة مسافة 500 كلم.
إرهاصات النشأة:

بدأت أولي هذه الإرهاصات بمبادرة من أحد أبناء القرية السيد عالي ولد محمد ولد لخويمه بإرسال الطالب الأول حمود ولد المهدي ولد ببكر إلى محظرة أهل الطالب ولد أعل بمدينة الطينطان في ولاية الحوض الغربي ليقضي هناك سنة ونصف و بعد الفيضانات التي اجتاحت الطينطان خريف ذلك العام تم توجيهه إلي مدينة القرآن معط مولان.
تأسيس المحظرة

بعد ذلك أرسل طالبين من وكشضه للإلتحاق بحمود السالف الذكر إلي محظرة معط مولان، فقالوا لأهل معطى مولانا إنا لكم قاصدون لنتعلم القرآن ، فردوا عليهم بأن حللتم أهلا ونزلتم سهلا، ولكم في قريتنا ما تشتهون.
ثم قام عالي ولد محمد ولد لخويمه بإرسال أسرة شقيقه الأكبر رفقة عشرون طالبا آخر من وكشض إلى معطى مولانا بغية الإشراف عن قرب على الطلاب ، لتكون البداية الفعلية والأهم بثلاث وعشرون حيث أستقبلهم فضيلة الشيخ الحاج المشري ببالغ الحفاوة وأحاطهم بكريم فضله وغزير علمه ووفر لهم المكان الملائم مجانا طيلة مقامهم البالغ سنة ونيف حيث قام المشرف علي المحظرة السيد عالي ولد محمد ولد لخويمة بالتعاقد مع الأستاذ الحاج عبد الله ولد إسلم ليتولي التدريس بالمحظرة خلال تلك الفترة. وكان تثمينا من الشيخ المشري لمحظرة شمس الدين أن أعتبرها فتحا حيث كان يطلق عليها محظرة الفتح.
بعد تلك التجربة الناجحة ، أصبح لدي القائمين علي المحظرة إيمان بضرورة توسيع نطاقها، لكن هذه المرة إنطلاقا من وكشضه بعد عودة الأسرة رفقة الطلاب حيث اصبح من بين الطلاب أول مجاز من محظرة شمس الدين هو الطالب حمود ولد المهدي ولد ببكر من مدينة القرآن معط مولان لتكون الإنطلاقة الجديدة والأشمل لمحظرة شمس الدين لتعليم القرآن الكريم والعلوم الشرعية بوكشضه .
وكانت المحظرة بالنسبة لهذه القرية بمثابة العمل الكبير والمهم ، حيث وفرت لهم فرصة التعلم مجانا بدل الإغتراب لطلب العلم أو الإنقطاع عنه، نظرا لضعف الإمكانات لدي الساكنه وهكذا كان رجل الأعمال المقيم في المغرب عالي ولد لخويم سباقا للتوفيق لهذه الخدمة الجليلة. نسأل الله سبحانه أن يجعل ذلك في ميزان حسناته لأنه كان يتعاهدنا بقوله أن الدنيا ملعونة وملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه أوعالم أو متعلم أومعين لهما ، فكان نعم العون لنا وكان كمن علم وتعلم لأن الدال على الخير كفاعله. كما نسأله أن يتقبل من القائمين على المحظرة معلمين أو مراقبين ونهنئهم بما بثوه من علوم في صدور الرجال والنساء فإن ذلك عمل خير لا ينقطع ولو ذهب صاحبه. إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث منها علم بثه في صدور الرجال. الحديث وعليه فقد تطور أداء المحظرة وبدأ الطلاب يتوافدون عليها من كل حدب وصوب ، حيث يصل عددهم في فترات الصيف إلى أكثر من 200 طالب في حين تكون الفترات الأخرى كفترات الدراسة في المدارس النظامية ما بين 150إلى 180 طالبا. ويتواجد بها بصورة دائمة شيخان. إضافة إلي معلمة للأطفال لتعليم التهجئة تدمكي ومشرفة علي قسم البنات. ويتولي الإشراف العام وضمان تدبير أمثل لشؤون الطلبة الوالد الوقور محمد ولد لخويمة والأبناء محمد لمين والشيخ والخيرين من أبناء البلدة الذين ابدو حرصهم ووقوفهم الدائم من أول يوم لإنجاح هذا الجهد.كما توفر الإيواء لزهاء 35 طالبا قدموا من البلدات المجاورة. وفي الأونة الأخيرة تم فتح فرع جديد بعاصمة مقاطعة أوجفت بالمدرسة القديمة رقم 1 وقد بلغ عديد الطلاب في الأيام الأولي قرابة 400 طالب وطالبه مما استوجب من القيم علي المحظرة التعاقد مع أربعة مشايخ يقومون علي أربعة أقسام. وتم إسناد الإشراف المباشر للمحظرة فرع أوجفت طاقم تربوي من المشايخ يجمع بين ذووي التجربة وشباب أهل كفاءة إضافة إلي مشرفين هما محمد الأمين ولد محمد محمود ولد داهي والشيخ ولد محمد الامين ولد المختار ولد أحمد. جدير بالذكر أن تعاون محظرة شمس الدين مع مدينة القرآن قد أثمر مؤخرا بختم ثاني طالب من المحظرة هو محمد عبد الله ولد محمد الامين المولود 1994 بالمعدن على أيدي الشهود في معط مولان بعد أن أجاد القرآن حفظا في وكشض . نشير في الأخير أنه من أهداف التعاون بين محظرة شمس الدين ومدينة معط مولان إستصدار الشهادات طبقا لمعايير مدينة القرآن معط مولان.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
حفاظ المحظرة
معطى مولانا / بتاريخ 2 ذي الحجة 1433هجرية
عن صفحة الحفاظ بالفيس بوك بتصرف

إحــــياء الوجـــــه القـــــديم لأوجفــت


تعكس هذه المحظرة إرادة قوية لفعل الخير وتحصيل العلم، وهمة حقيقية للعمل الجاد من أجل تواصل حلقات الدرب الحضاري لمقاطعة أوجفت الأثرية.

وهي مبادرة شخصية من رجل الأعمال المقيم في المملكة المغربية السيد/ عالي ولد محمد ولد لخويمه، وهو أحد أطر وأبناء المقاطعة المذكورة، وأحد المهتمين بشؤونها، الساعيين لإستمرار عطائها العلمي المعروف والمألوف عبر التاريخ، حيث عرفت أوجفت بالتراتيل المعظمة، وتعظيم العلم، وتجسيد مضامينه في مشاهد الحياة من خلال منظومة القيم والشيم الحميدة والمفيدة.

وتعتبر هذه المحظرة – من وجه أخر – إسهاما جادا في تثبيت السكان المحليين في مواطنهم الأصلية، وإحياءا لروح العلم والتلاوة بين صفوف الأجيال المقبلة، بعدما تناقص عدد المشاييخ الحفاظ في المقاطعة أو كادوا لا يوجدون. وقد أنشئت محظرة شمس الدين لتعليم القرآن والعلوم الشرعية بوكشضه منذ أزيد من ثلاث سنوات وهي تتوفر على وصل إعتراف رسمي من طرف الوزارة المعنية. ووجدت بداية وخلال المرحلة التجريبية في " معط مولان "، قبل نقلها إلى منطقة وكشضه التابعة لبلدية معدن العرفان بمقاطعة أوجفت، وهي الآن توفر التعليم بصفة مجانية ل 118 طالبا من مختلف مناطق وبلديات المقاطعة الأربعة، تستفيد منهم 25 طالبا بشكل مستمر من السكن واللباس بالمجان.

فكرة إنشاء المحظرة
بدأت هذه المحظرة بفكرة راودت مؤسسها سنة 2005، عندما قام على حسابه الخاص بمنح أول طالب في محظرة أهل الطالب ولد اعبيدي بمدينة الطينطان، لينتقل هذا الطالب بعد ذلك إلى محاظر معط مولان، ثم يلتحق بمحظرة شمس الدين بعيد إنشائها ويعود مع عودتها إلى وكشضه ليكون أو خريج منها مجاز في القرآن الكريم منذ 2010 على يد أساتذة معط مولان.
وقد ساعد في إنجاح هذه الفكرة ما لاقته من قبل السكان المحليين من تجاوب وتقبل للعلم، وإظهار للحاجة إليه.
ويشرف عدد من طلاب هذه المحظرة على الوصول إلى أخذ الإجازة في القرآن الكريم، بينما تواصل البقية التعليم في ظروف جد مرضية.
إن رجل الأعمال المشرف على هذه المحظرة، أرادها عملا خيريا محضا، وفعلا حضاريا ملموسا، وجسد – من خلالها – الإستجابة المطلوبة والمرغوبة من الإطار، والمسؤول، ورجل الأعمال الناجح إتجاه وطنه وموطنه الأصلي، هادفا بذلك إلى إعداد الأجيال المتعلمة والقابلة لحمل مشعل الأمانة والمسؤولية، لتغدو – من ثم – خير خلف لخير سلف.
وقد جاءت هذه المبادرة الموفقة لتفتح الأفق على التعاطي مع العلوم الأصلية والشرعية في محيط جغرافي يتميز بالعزلة، ويحتاج ساكنوه إلى تذليل صعوبات على طريق التحصيل المعرفي، وهو ما نجحت في تحقيقه محظرة شمس الدين بوكشضه، مستفيدة من وعي مؤسسها بواقع وضرورات مقاطعته من جهة، ومستوى تقبل المحيط الإجتماعي من جهة ثانية للعلوم القرآنية والفقهية في بيئة ظلت معروفة بماضيها المشرق في هذا المجال.
ومحظرة شمس الدين لتعليم القرآن والعلوم الشرعية بوكشضه ربما تأتي من خلفية ما عانقه مؤسسها وجيله الدراسي من ضروب المشقة خلال رحلة التحصيل العلمي، وما وقف عليه هو شخصيا من أهمية العلم في تعميق الشخصية الحضارية لأية أمة.. وهو من خلال إنشائه لهذه المحظرة يكون قد وفق فيما لم يوفق فيه كثير ممن سبقوه وعاصروه .. فهنيئا.
يشار إلى أن هذه المحظرة مفتوحة أمام إسهامات الخيرين لمن يرغب في ذلك .. وهي في منظورها التوسع ليشمل ذلك فتح فرع لها في عاصمة المقاطعة.

تنبـــــــيه!
على الراغبين في المساهمة الخيرية، أو المعنوية، أو الأخوية الإتصال على العناويين التالية:
- نواكشوط / محمد عبد الله ولد داهي – مسؤول صندوق المحظرة –
هاتف:46 54 95 47  (00222) –524 24 10  (00222)